في ظل ما يجري على الساحة اللبنانية من أحداث، هناك أسئلة تطرح حول وضع تيار "المستقبل". البعض يعتبر أن التيار فقد السيطرة على شارعه، في حين يرى القسم الأكبر أنه مستفيد من حالة الفلتان الأمني القائمة، وهو يستغلها بغرض الكسب على الصعيد السياسي.
لا يمكن فصل ما يجري في أكثر من منطقة، من طرابلس إلى البقاع وصيدا مروراً بالعاصمة بيروت، عن واقع تيار "المستقبل" في خضم الأحداث التي تعصف بالمنطقة، والتي تؤدي إلى بروز التيارات الإسلامية المتطرفة منها والمعتدلة، فهل باتت هذه التيارات تأكل من "صحنه" الخاص؟
القوى المعارضة له منقسمة في الرأي
تنقسم القوى المعارضة لتيار "المستقبل" في قراءتها لهذا الواقع، على الرغم من أنها تجتمع في الخصومة السياسية معه، لكنها في نهاية المطاف تتوافق على تحميله القسم الأكبر من المسؤولية عن ذلك.
من وجهة نظر مصادر في قوى الثامن من آذار، سعى تيار "المستقبل" في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الإنقلاب عليه من قبل فريقها السياسي وإخراجه من السلطة، خلال لقائه مع الرئيس الأميركي بارك أوباما، إلى إبراز دور التيارات الإسلامية والسلفية المتطرفة على الساحة السنية بشكل لافت، وهو أراد من ذلك أن يخترع "غولاً" يخيف من خلاله خصومه كي يعودوا إليه مرغمين، بسبب مخاوفهم من تحول تلك التيارات إلى صاحبة القرار الفعلي، خصوصاً أن التواصل والإتفاق معها يبدو مستحيلاً بسبب نظرتها إلى الآخر المختلف معها.
ومن هذا المنطلق، ترى هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، أن "المستقبل" مستفيد من بروز هذه التيارات، التي لا تستطيع في نهاية المطاف الخروج من تحت عباءته، نظراً إلى أنه قادر على ضربها من خلال رفع الغطاء السياسي والأمني عنها في أي لحظة، وتؤكد أنه سوف يقوم بذلك في الوقت المناسب بعد أن يستغل وجودها إلى أقصى حدود.
في الجهة المقابلة، هناك من يرفض هذا التوصيف بشكل مطلق، ويعتبر أن من الضروري دعم تيار "المستقبل" بطريقة أو بأخرى من أجل مواجهة التيارات السلفية، حيث ترى مصادر أخرى في قوى الثامن من آذار أن من غير الممكن تصور الحوار مع هذه التيارات داخل قاعة المجلس النيابي أو مجلس الوزراء، لا بل هي أصلاً لا تؤمن بذلك ولا تنتظر الوصول إلى هذه المرحلة.
وتعتبر هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، أنه حتى لو كان "المستقبل" هو من ساهم في بروز هذه التيارات، في المرحلة السابقة، لا يجب السماح لها بأن تأكل من "صحنه" الشعبي، وترى أن السبب الأساسي في تصاعد قوتها يعود إلى التحولات الكبيرة القائمة في المنطقة، وتشدد على أنّ التيار هو المتضرر الأبرز من ذلك.
قيادات "المستقبل" منقسمة أيضاً
الإنقسام في صفوف القوى المعارضة لتيار "المستقبل" يمتدّ إلى قيادته في تحليلها أسباب ما يجري، إلا أنها تعتبر أن تصرفات الفريق الآخر ساهمت إلى حد بعيد في الوصول إلى هذه المرحلة، مع إعترافها بأن التحولات الإقليمية لعبت دوراً فاعلاً أيضاً.
وفي هذا السياق، تتحدث مصادر نيابية في كتلة "المستقبل"، في حديث لـ"النشرة"، عن وجود قراءة لدى بعض قيادات التيار تعتبر أن "حزب الله" يقف وراء بروز هذه التيارات بطريقة مباشرة، خصوصاً أنه كان يدعم القسم الأكبر منها في مرحلة ما، وتؤكد أن بعضها كان حليفاً له، وترجح أن يكون ذلك لا يزال قائماً بأسلوب آخر.
وتشير المصادر نفسها إلى أن قراءة هذه القيادات لا تستبعد إمكانية وجود خرق في صفوف تلك التيارات، خصوصاً أن إحتمال ذلك كبير جداً، حيث تشير إلى أن "حزب الله" والمخابرات السورية لديهما خبرات واسعة في هذا المجال، وتشدد على أن تيار "المستقبل" لا يمكن أن يقوم بدعم تيارات يعلم مسبقاً أنه سيكون أول ضحاياها.
على صعيد متصل، تكشف المصادر عن قراءة أخرى داخل التيار، تتبناها القيادات الأكثر تشدداً، وهي تعتبر أن طريقة تعامل "حزب الله" مع جمهور "المستقبل" أوصلت الحزب إلى الحالة التي هو عليها اليوم، لا سيما بعد الذي حصل في أحداث السابع من أيار، حيث رأى قسم كبير من أنصار "المستقبل" أنّ ما حصل أمرٌ مهين، وبالتالي من المفترض التحضير من أجل الجولة المقبلة من المواجهة.
وفي ظل رفض التيار الدخول في مواجهة عسكرية، بحسب ما تعلن مصادره، إضطر هؤلاء إلى الذهاب إلى تلك التيارات التي لا تخفي عداءها مع الحزب، وهي تقول صراحة أنها تريد المواجهة معه تحت عناوين مختلفة.
وتعتبر المصادر أن معالجة هذه الحالة تبدأ من قيادة الفريق الآخر، الذي عليه أن يدرك أن محاولة إقصاء أي فريق من اللعبة السياسية في البلاد سوف يخلق مشكلة كبيرة، وعليه الاعتراف بأنه إرتكب أخطاء كبيرة سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي من خلال تدخله في أحداث داخل بعض الدول بغرض خدمة المشروع الإيراني في المنطقة.
في المحصلة، بغض النظر عن الأسباب، هناك مشكلة ينبغي معالجتها سريعاً نظراً إلى تداعياتها على الساحة اللبنانية بشكل عام، فهل تنجح القوى السياسية المختلفة من خلال حكومة المصلحة الوطنية بذلك؟